ليلة برفقة إيزيس | قصة

 

رجليها كانوا حلوين أوي قدامي وهى حاطة رجل على رجل. مسكتها للسجارة وحركتها اللي مبتندش عنها غير بحساب خلوني اتمنى لو مكنتش بطلت رسم. بعدها بشوية هعرف ان ندمي ده مكانش له داعي، لما هصادف رسمة (من ضمن حاجات تانية) أجدع من اللي كان ممكن ارسمها ليها ولو وقعت تحت تأثيرها 100 سنة. 

ورغم اني معترف انه من زمان وانا بحلم اعيش قصة زى اللي بقابلهم في الروايات، لكن لما ده حصل بالفعل، وبدون أى ترتيب من ناحيتي، لقيتني بعيد النظر في أحلام كتير عندي. 


"احذر مما تتمناه، فربما يقع".

—أساطير إيسوب (260 ق. م)


***


المكان وسط البلد. والزمان هنعرفه بعدين لإن اتضح ان ليه دلالة مهمة في الحكاية. 

كانت أول مرة أشرب حشيش. الخطة الأصلية كانت اني هعدي على هشام صاحبي اخده وننزل القهوة. لكن لما لقيته قعد وبيلف سجارة، قلت ليه لأ؟ في الأول والاخر أنا في القاهرة بتفسح. ليه أحرم نفسي من التجربة؟ 

نفسين تلاتة كانوا كافيين اوي بالنسبالي. التأثير الأول كان اني مبقتش متحمل الإضاءة العالية وطلبت نهديها شوية.. وبعد كدا كان الجوع. صاحبي قالي هتلاقي في المطبخ طبق جبنة بالزتون عجب والعيش جمبك. 

دقايق وعرفت هو ليه مكلش معايا، لما قام فتح الباب ورجع قالي "اوعى يا احمد تكسفني مع ضيوفي". مفهمتش، بس قولتله اشطة. ووراه دخلت "إيزيس". 


***


خلينا نسميها "يُمنى" بما اني مش هينفع استخدم اسمها الحقيقي. لو هوصف انطباعي الأول عنها بكلمة واحدة، هقول elegant (راقية).. وش مثلث وملامح حادة مفيهاش الدعة و"الدهولة" اللي بشوفهم في وشوش كتير.. ستايل لبس بسيط وغالي يفكرك ببنات الجامعات الخاصة.

– بتشيل الأكل ليه؟ كمل. اعتبرني مش موجودة!

– بجد شبعت.

كنت ناوي استكفي بالنفسين اللي خدتهم فعلا، لحد ما شوفت يمنى بتاخد سجارة الحشيش التانية من ايد صاحبي وبتولعها. قلتلها "باصي"، من باب اني افتح كلام معاها مش أكتر. 

– بتشتغل ايه؟ ولا لسة بتدرس؟ 

– الاتنين. بشتغل في الصحافة. ولسة بدرس صيدلة، وقبلها كنت في طب وحولت. 

– (وجهت كلامها لهشام) صاحبك باين عليه إنترستنج. 

– وانتي؟ 

– ماسكة الحسابات في شركة. 

– عظيم. 

– طب هات السجارة. 

شوية وطلعت غيرت هدومها وهلت. جسمها في الشورت والكات أقرب للفانتازيا منها للحم والدم. بشرة بيضا صافية على عود مشدود. شعر إسود بيلمع ومعقود ديل حصان. وشفايف أحمر من الكريز.

وحقيقي مفيش ساوند تراك أنسب لطبيعة الأجواء من اللي اشتغل. مزيكا روحانية من بتاعة المديتيشن اسمها "إيزيس: ربة التعافي".




"لكِ الحمد يا إيزيس المعظمة

يا أم الإله، ويا سيدة السماء

يا عشيقة الأرباب وملكتهم" 

—ترنيمة منقوشة على إحدى جدران معبد فيلة (قرابة 300 ق. م.)


تأثير الحشيش بقى أوضح كتير. جسمي مسترخي بس ذهني صاحي. حدقة عيني بتتحرك خطف. أبعد زاوية في الأوضة بتتحط في مجال رؤيتي في لحظة، وكإن فيه حاجة مهمة بتحصل هناك، رغم السكون الشامل. 

فكرت ان ده ستايل إخراج بنشوفه ساعات في الأفلام. فهل الفنانين بيحاكوا في أساليبهم حالات وعى معينة بتحفزها العقاقير وغيره؟ زى فان جوخ لما كان بيرسم العالم أزرق لإن المرض العقلي كان مخليه يشوف العالم كدا في الحقيقة؟ 

كل ده وانا شبه مش شايل عيني من عليها، لدرجة اني منتبهتش لوجود صاحبي الا لما قام لسبب ما طفى اللمبة وشغلها تاني. وهنا حصلت المعجزة. 

من ضوء اللمبة السهاري الأصفر، للعتمة، لانعكاس ضوء أبيض اتسربلنا من الصالة.. شوفت يُمنى بتشع أزرق!

 

"المشرقة مثل رع؛ الصقر الإلهي المنير".

—وصف لإيزيس منقوش على معبدها بقرية بهبيت الحجارة، محافظة الغربية


سألتها بصوت واطي "هو انتي إيزيس؟" وبدل ما تضحك كالمتوقع، ردت بإيماءه رزينة "أيوة"!


***


لاحظت ان ملامحها من الجمب مختلفة شوية عن لما تديني وشها. افتكرت ان إيزيس بيسموها "صاحبة الألف وجه".

قمنا احنا التلاتة المطبخ. 

ميلت وبتجيب الطاسة، وصدرها أعلن عن نفسه بدلال. حبتين تين في موسم قطفهم واتدلوا.. اديتني ضهرها وبتشغل البوتاجاز، عجزية تقول للنار قومي وانا احمي الزيت مكانك.

ولأنها أول مرة اكون بالقرب ده من جسم أنثوي من غير شاشة موبايل تفصلنا، خطرت لي فكرة بدت لي بمعاونة الحشيش والتستستيرون منطقية.

الجنس سر إلهي مقدس. ولإنه كذلك، مش هتتساب تعرفه لوحدك. عند مرحلة ما من حياتك، إيزيس هتيجي وتاخد بإيدك لعالم الكبار!

ورغم ان الفكرة غريبة عن التصور الشائع عن إيزيس، إلا اني بعد كدا لقيت مقال منشور عالنت في عيد الحب من 10 سنين، عنوانه "إلهتنا سكسي! هابي فلانتين داى يا إيزيس!"

عندنا 3 تماثيل بيجمعوا بين نحت إيزيس وأفروديت، المصريين في العصر اليوناني كانوا بيعملوهم زى حجاب يزود الرغبة الجنسية والخصوبة. 


 

كمان الجنس في أسطورة إيزيس وأوزوريس محوري جدا. الأسطورة بتقول ان إيزيس بتجمع أجزاء جسم أوزوريس المتقطعة وترجعه للحياة. بيناموا مع بعض لمرة أخيرة ويخلفوا حورس، اللي هينتقم بعد كدا لقتل أبوه. 


غرقت في خيالاتي وبان عليا جامد اني مركز مع يمنى وفي دنيا غير الدنيا. فيه حاجات كدا، إحم، بتفضح الإنسان. 

قالتلي وهى باصة للبطاطساية في ايدها وبتقطعها شرايح: "مش لما يبقى حد شايفك في كل وقت، تحاول انك متظهرش قدامه بشكل مش كويس؟"، صاحبي كمل السؤال وقال "ومين بقى اللي بيقى شايفك في كل وقت؟"، قلت بشكل لا إرادي "ونعم بإيزيس". وبصيتلها برجاء المرادي وقلت "بس ربنا بردو مفروض يبقى رحيم بعباده!"

رجعنا الأوضة. المزيكا لسة على حالها. سحبت سجارة من علبتي وولعت. غصت اكتر في الكرسي، وكنت بدأت انعنس خلاص. بنبرتها الهادية قالتلي "ايه مدايقك وواخد بالك الفترة دي؟"، قلتلها "الكلية. حاسس اني مش قادر اكمل"، قالتلي "اطمن".


مشاهد كتير من حياتي كانت بتمر قدام عيني، وعارف ان إيزيس قارياها. وكانت هى وصاحبي بيكملوا كلام بعض الموجه ليا، لكن مش مميز منه حاجة.

حسيتني بحلم. بدأت استوعب تفاصيل الأوضة من جديد. التلفيزيون عالشمال وفوقيه تمثال خشب لباستيت. هشام قدامي باين أسمراني بزيادة في السويتشيرت الأبيض ابو زعبوط. وهى على كرسي جمبه فاردة رجلبها عالترابيزة اللي بينا، وشعرها المعقود طاير لفوق زى الريشة. 

تخيلت اني في محكمة الموتى، بين إيدين أنوبيس وماعت. قطعت الكلام وسألتها: "هو انا قلبي خفيف ولا تقيل؟" ابتسمت وقالتلي "خفيف، بس لسة فيه خفة أكتر". 



مش عارف ليه طلبت منها تبدل معايا الكرسي، ومش عارف ليه طاوعتني. لفينا حوالين الترابيزة سوا في اتجاهين متعاكسين. جه في بالي رمز "الين واليانج" الياباني. نص أبيض ونص اسود بيلفوا حوالين بعض.  دايرة سودة في النص الأبيض، ودايرة بيضا في النص الاسود. الخير في قلبه بذرة الشر، والشر في قلبه بذرة الخير، والاتنين بيكملوا ويوازنوا بعض. 

قلتلها "جايبلك هدية علفكرة". وطلعت من جيب الجاكيت كيس ورق، فتحته لقيت ميدالية على شكل مفتاح الحياة. قالتلي "دي ليا أنا متأكد؟" قلتلها "بقالي كتير عايز اجيبها وبطنش. مش ليكي ازاى وانا ميصادفش اني اجيبها غير في اليوم اللي هقابلك فيه؟" قالتلي "ميرسي"، وكملت تقطيع شرايح البطاطس لصوابع. 

طارت منها واحدة ناحيتي. مسكتها ومديتلها ايدي بيها، واتعمدت المس صوابعها بطراطيف صوابعي أثناء ما عينينا في عينين بعض. قالت لصاحبي والكلام ليا "مش هتقدر تشبع رغباتك، غير لما تتخلى عنها وتفقد الأمل فيها". 


بصيت عالتلفيزيون وانا بحاول اتخلى عن رغبتي فيها، على أمل!

الرسالة اللي بتظهر على شاشة التلفيزيون وهى مقفولة بدأت تحمل ليا معاني جديدة. وقفت عند كلمة main source وفكرت انها روحانية اكتر منها تقنية. غمضت عيني وحلمت اني في طريق بياخدني وينزل تحت الأرض لعالم من نار. كملت نزول واتحول العالم لتلج. بدأنا في الطلوع ونور أبيض غطى على كل شئ، شوية واتجمع النور في وردة ملونة. وهنا فتحت عيني. 


يمنى دخلت المطبخ تقلي البطاطس. وهشام قالي "يلا عشان تروح".


***


مشكلتي الأساسية مكانتش اني شارب ومش عارف هعرف اروح في وقت زى ده ولا لأ، ولا شغل بالي ساعتها اصنف تصرف صاحبي قلة ذوق ولا عادي، لكن كانت زى ما قال الظابط حسام في "لا تراجع ولا استسلام" وهو بيستبعد فكرة ان حزلقوم هيتخلى عن المهمة: "دي حتى تبقى قفلة مش ولا بد". 

كنت مصدوم أوي من القفلة الـ "مش ولا بد"، ومش قادر اصدق ان كل الظروف المتهيأة دي ممكن تنزل في الاخر على مفيش. لدرجة اني بدأت افكر ان ممكن يكون ده مقلب وصاحبي عامله فيا وهنرجع الشقة تاني. 

فوقني وقال "مفيش حاجة هتحصل النهاردة، انسى". عديت حدود الأدب معاه وسألته "عايز فلوس طيب؟"، وكتر خيره انه مزعلش مني. ضحك وقالي "خلي بالك اللي انا بعمله ده عشانك انت. انا شايفها بتسوحك من الصبح، وانت خفيف اوي ومش على بعضك، قلت حرام اسيبها تتسلى عليك كدا". 

قلتله "طب ما يمكن تيجي". قالي "يا أحمد تيجي ازاى بس. دي شرموطة! توديك البحر وتجيبك عطشان، وده كيفها. انا نفسي ياما لعبت بيا كورة". 


الساعة كانت عدت 1 والمترو قافل. وقفلي تاكسي وقاله ينزلني فين واداله الحساب. ركبت، وأول حاجة لفتت نظري كانت جرح جديد في وش السواق، وعلطول افتكرت إيزيس وهى ماسكة السكينة بتقطع البطاطس. 

كان هيلبس بينا في عربية جمبنا، فبقوله "مش تاخد بالك يسطا؟"، قالي "المكنة عارفة طريقها"، قلتله "بس مش وانا معاك!"، شاور عالكنبة اللي ورا وقالي "ولو عيالي معايا". لمحت يافطة سنترال مكتوب عليها "أمان"، فقلتله "اتوكل". 

مكانتش اليافطة الوحيدة اللي قريت فيها معنى جديد. كل اليفط تقريبا. أوضحها كانت صورة السيسي عند منفذ لبيع منتجات القوات المسلحة ومكتوب عليها "كلنا واحد"، والمعنى اللي وصلي كان وحدة الوجود وتناسخ الأرواح!

نزلت من التاكسي عند شارع العريش من ناحية الهرم، وكان مفروض اعدي لشارع فيصل. كان فيه ناس على قد حالهم بيحملوا توكتوك على عربية نقل، فلقيت نفسي واقف برفعه معاهم! يمكن لإن شكلهم فكرني بيافطة مسمط "حبايب السيدة"!


لما دخلت الشقة أخيرا، حسيت اني هلاقي إيزيس جوا. ولما جيت انام حسيت انها هتدخل الأوضة في أى لحظة، ومنعستش للصبح. 


وانا بفطر عالقهوة، وكنت خلاص فقت، فكرت ان ايه اللي حصل امبارح ده؟ راجعت كلام صاحبي وقلت فعلا انا اتلعب بيا في أفكاري وغرايزي. وحسيت بإهانة. اتصلت عليه وقلتله اني هأجل مرواح البلد يوم كمان وهجيله تاني النهاردة. نمت كام ساعة، وعالعصر كنت في وسط البلد.


***


"يتغلب المرء على العالم، بتغلبه على نفسه". 

—زينون الرواقي (334 ق. م.–262 ق.م)


رحت وانا مقرر حاجتين. أولا مش هشرب، وعشان كدا عديت خدت معايا قزازتين هينكن. ثانيا انا رايح مش مستني حاجة تحصل. كانت نصيحة ذهبية من إيزيس لما قالتي اتخلى عن رغباتي. اتخليت فعلا، والمرادي من غير أمل. 

اتقابلنا في السوق احنا التلاتة. جبنا طلبات وروحنا الشقة نطبخ. يمنى بمساعدة صاحبي عملتلنا رز معمر وفراخ وبطاطس في الفرن. نفسها حلو. الأكل طالع جميل ودافي، وبيتي أكتر من أكل البيت.

قلت لطاحبي ميعملش حسابي وهو بيلف السجاير. ويمنى في فستانها القصير كانت موديل إنستجرامي من الكتاب، لكن غايب عنها سحر امبارح. 

لعبت دور العقلاني في القعدة. رديت على كل بادرة خرافة بالمنطق، وطلعت كل حكمة روحانية مجرد زيف واستغلال لحالة السطل. حتى هدوئها ورزانتها حسيته مصطنع ومش أصيل.

عالساعة 9 كدا قمت من نفسي. بصيت بصة أخيرة على يمنى واعتذرتلها اني بوخت السهرة. شكرتها عالغدا واليومين الحلوين اللي مش هنساهم. ومشيت. عند الأسانسير صاحبي ضحك وقالي "حاسك مجيتش النهاردة غير عشان تدافع عن كرامتك وعقلك". قلتله "صح، بس هنكر". 


بصيت في الموبايل وكان التاريخ 13 فبراير، ليلة عيد الحب.. ورغم خيبة الأمل، هابي فلانتين داى يا إيزيس!


20 سبتمبر 2022

اترك تعليقًا

0 تعليقات