قصاقيص أدبية

 

وجهان لقمر واحد

كالقمر هي.. رقيقة مثله، بعيدة مثله!

13 أكتوبر 2016

***

طريقتان للموت

أنتِ نصلٌ حاد نفذ إلى صدري.. وجودك مؤلم.. وانسحابك مميت.

16 مارس 2017

***

اللقاء الثاني

التقيتها ثانيةً وقد دبّ الشيب في رأس كلينا.. حطمتنا الحياة خلال الرحلة ولم تعد مقاومة التيار مُجدية بعد أن تهشّمت عظام العضد واهترئت المفاصل، كنا محتاجين لبعضنا كي ننجو من الغرق.

لم أنبس بكلمة، قالت أعيننا الكثير بالفعل.. سرنا سويًا وتشبّث كلٌ منا بكف الآخر كأنما يخشى فقدانه من جديد.. امتدّ الطريق أمامنا رحباً واتّسقت خطواتنا ومضينا ببُطئ.

لم يعد حبنا مفعماً مثل العهد الأول.. أمسى هادئاً ينساب في العروق كحالة أسى في ليلة شتوية.. كنا مطمئنين بجوار بعضنا، وهذا كافٍ جدًا.

13 نوفمبر 2017

***

غريب ولا غرابة

تُحيطني البهجة فأشعر بالاغتراب.

الألوان الزاهية لا تتوافق وسوادي الداخلي.. الضحكات الصاخبة لا تتسق وانطفاء روحي.

لَكَم هي جميلة تلك الفتاة، ولَكَم أمقُتها!

لابد أنها استمعت مؤخراً لـ'عمرو دياب' وتخيلت نفسها ملاك الحُسن، تسير مزهوّة بنفسها مليئة بالحياة.. وددتُ لو أخبرها أنها ليست بهذا الكمال وأنها لن تحصل على الدرجات النهائية باختبارات العام الدراسي الجاري أو أنها أغفلت أن تضع تفصيلة ما من مكياجها الكامل أو أن خللاً قد يقع ليفسد خططها المستقبلية،  وددت أن أعكّر صفو مزاجها بأي وسيلة ممكنة. 

الحقيقة هي أنني أرى نفسي من خلالها كأوضح ما يكون، شحوب وجهي وآلام عمودي الفقري وتوتري الظاهر ومستقبلي المظلم لم أدركهم يوماً بمثل هذا الوضوح. "يُبرز المعنى ويوضحه" درس البلاغة الذي لا يمكن أن تنساه برق في رأسي لبرهه. 

منذ متى والجمال يثير اكتئابي؟ ربما منذ أيقنت أنني غير جدير به.. لست النموذج الذي تروجه كتب التنمية البشرية وإعلانات الأجهزة الرياضية، ولست في هذا الحفل إلا غريب.

14 أكتوبر 2018

***

يوم يُسدل الستار

تأملت عينيَّ في المرآة لأتحقق من مسحة الحزن التي صارت تكسوهما كما أخبرني كثيرون.. أغضبني أن تسجل الأيام سيرتي الذاتية على وجهي بغير إرادة مني.

فالإنسان كتاب مفتوح يسهُل بقليل من التأمل أن تكشف أسراره وتسبر أغوار حياته.. مهما ادّعى ومهما أنكر، تأكد أنك تتطلع إلى هرم زوسر متحرك أو لوح محفوظ لا يأتيه الباطل.

كل ما تملكه وكل ما هو أنت، وضعك الراهن ومستقبلك وومضات ذكرياتك التي تعتبرها ماضيك رغم عجزك عن تمييز الحقيقي منها من المُتوهَم، كل ما تراه في المرآة وما ينبض به قلبك، هو تأريخ لكل ما مررت وما تؤمن أنك ستمر به .. وبمُضىّ الأيام تغدو أنت نفسك تجسيد حي لهذا التأريخ، تتلبسه أو يتلبسك ليس هذا هو المغزى، المغزى هو أنك ستحصد ما زرعْته أو زرعَته الظروف عنك. إلى أن يأتي اليوم الذي تكره فيه قراراتك ولحظاتك المفصلية بكل التداعيات التي خلَّفَتها فشكَّلَتك.

*

هأنذا أسعل من جديد، يؤلمني صدري المثقل بالهموم ودخان السجائر، ولست أدري أيهما سيقتلني أولًا..

*

"يومًا ما سأصير أفضل" خطتها بصبر بالغ وعلقت نسخة منها على الحائط المواجه لمكتبي وأخرى على سقف الحجرة في الموضع الذي يعلو سريري، أردت أن أزرع ما أبغي حصاده، وقد قررت ذات يوم أن هذا هو اليوم، وأنني سأغير مصيري، قد كان هذا قبل أن أتأمل مشاق الرحلة فأستصغر الهدف، فعدلتها لتصير: "يوماً ما سينتهي كل ما لدى وكل ما أفتقده فلا يعود هناك ما يؤرقني" وقد أراحني هذا كثيراً.

أنا غريق عثر على لوح سليم من حطام قاربه، أدرك أنه لو سبح لبضعة أيام في  قلب الماء فربما يصل ليابسة ما، ثم استعرض حياته البائسة في ذهنه، وتسائل: هل تستحق العودة إليها كل هذا العناء؟

أنا ملاكم فقد جُل طاقته في المقاومة وتصدي الضربات إلى أن حانت ضربة قاصمة أسقطته أرضاً فارتاح للسقوط وكف أخيراً عن المحاولة.

*

هذه هي النهاية بلا شك، سيُسدل الستار أخيراً وتطغى الظلمة إلى أن تبتلع آخر بريق أمل. لا أضمن أن القاعة ستضج بالتصفيق تلك المرة، ربما سيذرف أحدهم دمعة حارة ويتغير شيءٌ ما فيه للأبد. الحضور ليس ما يروقني.. دومًا ما كنت أستشعر الحرج من مجرد وجودي ولو كفكرة في رأس أحدهم. لذا يحيرني غباء البشر العابر للعصور، لطالما فتنهم الخلود لدرجة أن يبتدعوا عالماً يمكثون فيه بعد أن تواتيهم المنية -الحقيقة الوحيدة المؤكدة- ، أما أنا، فأتوق للفناء.. الفناء التام.. النهائي والأخير.

19 نوفمبر 2018

***

فيما يرى النائم

في أحلامي، تطاردني أشباح كل الاحتمالات السعيدة التي لم تقع.. أشباح الفرص الضائعة.. أشباح مواهبي التي قتلتُها عن عمد ونجاحاتي التي وُئِدت في المهد.

يطاردني شبح فتاة أحببتها يومًا بصدق ولم أجرؤ  على مصارحتها.

أقف على الجانب الآخر من العالم، وحيدًا، مقطوع الجذور، يفصلني كلُ شئ عن كلِ شئ. بينما يظهر الأفق كسرابٍ بائد رغم هذا.

ضللتُ طريقي ولقد ضاع شغفي في الطريق.. يحركني الروتين ومخافة الفشل لا غير.. فلست أعرف لي وجهة، ولا أنفكّ ألتفت للوراء.

16 ديسمبر 2018

***

رسولُ الأرض

وعيي نافذةٌ على الجحيم.

الجدارُ أمامي ولا شئَ آخر،

لكنّ المدى ما أرى.

في الليالي حالكة السَّواد

يتجسّد العالَم في صورة شيطان ومخلِّص،

ما يثنيه عن ابتلاعي وإيداعي الخواء بجوفه؟

غير وعيى بزيف ما أرى؟!


الحياة متاهة؛

ليس بوسعك الجزم بأنك في المسار الصحيح،

ما لم تصل للحافة.

ستهتدي لطريقكك من أول خطوة لو كنت محظوظًا،

لكن سيفوتك حينها أن تدرك حقيقة الحياة، 

لذا أخبرني.. 

ما الذي يعنيك صدقاً؟

النجاح..

أم الحقيقة؟


من أنا؟

وما الذي انتهيت إليه؟!

أنا سيئ الحظ الذي أفضَت كلُ طُرقِه إلى لا شئ، 

لكنّي العليم بدروب المتاهة. 

صانعُ الخرائط،

تصادفك علاماتي في كل طريق..

قصيدةٌ هنا،

ولوحةٌ هناك. 

أنا نبىُّ النحسِ والحماقة.. 

رسولُ الأرض.. 

قدري أن أجنِّبكم قدري.

*

قدري أن اقترب وأرى ما ليس بزيف

هذه الليلة،

تجسَّد العالم في صورة ملاك حارس

وأرخى جناحيه لأصعد 

مُخَلِّفاً صخرة سيزيف


فهاكمُ أوراقي، 

ولوحاتي البيضاء؛ لم تلوثها ألواني القاتمة

ومسوداتي التي يعوزها التهذيب

وفوارغ أقلامي

وفرشاتي المُلَطَّخة بدماء القتلى

–شهداء الحقيقة–

ومشنقتي

التي رُفعتُ عليها بدل الصليب

فاتخذوها رمزكم المقدس

هاكم إرثي

ما إن تمسَّكتم به لن تضلّوا مثلي

هاكم آخر كلماتي

تغردها روحي الآيلة للتحليق الأخير

نحو قرص الشمس

*

عصفورٌ أنا فراشي السُحُب

والمطرُ كسائي

وسنون عمري الضئيلة تبرُق أمام عينىَّ بخيلاء

كومضةِ نجمٍ في سماء الكون الأبديّة. 

يطربني وقع مزمار الخلود في أذني،

وأرنو للعدم

وما الانعدام سوى توَحُدٍ مع الوجود.

25 نوفمبر 2019

***

الكون في طبق سَلَطَة

(كتبتها تعليقا على خبر بيع موزة حقيقية باعتبارها فن، بمبلغ 120 ألف دولار!)

طبق سَلَطَة

أمِن الخُضرة جاءَ؟

أم منه جائت الخُضرة؟

حلقةٌ مفرغة


الغذاءُ والخراء

الأول مصدرٌ للثاني

والثاني سماد للتربة مَنبَت الأول

فأيهما الأول؟

حلقةٌ مفرغة

ونظام الأرض


بهو مطعم شعبي

والمَعَلِّم حربي

يقوم على خدمة الزبائن

جلبت كرسياً وطلبت

طبق سَلَطَة

أمِن الخُضرة جاءَ؟ 

أم منه جائت الخُضرة؟

–رفعت صوتي بالسؤال– 

رد الصبىّ وقال:

"حلقةٌ مفرغة."


سمع المَعَلِّم 

ورأى أن ذلك حَسَن

فراح يفيض بأسرار المطبخ

أفصَح:


"ما لا يُؤكل كُلُّه لا يُترك جُلُّه

فالحساب حساب

طلبتَ فاطفح

هذا قانون

في الحياة كما في المطعم"


"عرفت فلسَفة العَبَث أول ما عرفت من البصلة

قشرة تحت قشرة

ولا جوهر سوى الدموع"


"خُيرت بين موزة وتفاحة

فاخترت الموزة

لن يلدغ آدم من جُحرٍ مرتين

والموزة أُم الفنون"


أنهى خطبته ووضع أمامي

طبق السَلَطَة

لكن فاته أن يخبرني

أمِن الخُضرة جاءَ؟

أم منه جائت الخُضرة؟!

11 ديسمبر 2019



اترك تعليقًا

0 تعليقات